فيعملي في إحدى رياض الأطفال استوقفتني إحدى الطفلات بوجهها البريء لتسألسؤالاً أعتقد أنها احتارت بأن تجدله إجابة في نفسها الصافية وإن كان يدقناقوس الخطر في أعماقها التي لم تتراكم فيها حصيلة تناقضات المثالية معالواقع وسأكتب السؤال بنفس كلماتها الحائرة: ((يصير الأبو يضرب الأم؟)) م
أجبتهاو أنا أمسح على رأسها و كأني أحاول أن أمسح ما يمكن أن يتركه هذا السؤالمن شوائب في فكرها وهو في أول مراحل معرفته واكتشافه للحقائق التي لاشكستكون النواة الأولى لتكوين شخصيتها قلت لها برفق ومبتسمة:.((لا..ما يصيرالأبو يضرب الأم)).إلا أنها قالت بنفس العفوية و بكلمات شعرت بها وكأنهاقنابل موقوتة..يعلم الله متى ستنفجر في نفسها..إن لم تجد من يزيحها عنطريق تفكيرها أو ينزع فتيلها من أعماقها.قالت:.((بس بابا بيضرب ماما))!! م
وشعرتأني أمام امتحان صعب وأن إجابتي لها لابد أن تكون حاسمة لتنهي حيرتها وأنأكون صادقة معها لا مجاملة؛فلو قلت لها((ربما بابا يمزح أو يلعب معماما))..لأصبح موقف الضرب أمامها من المواقف التي تستعذبها وتنظر أليهوكأنه لعبة مسلية.. وقد تصاب بعقدة التلذذ بالضرب والقسوة..!! م
ولو قلت لها يمكن((ماما غلطت وعشان كده بابا ضربها))..!! م
لاهتزت صورة أمها في نفسها وعاشت في رعبٍ من الخطأ أو الغلط مهما كان بسيطاً حتى لا تتعرض لمثل هذا العقاب..!! م
ولأصبحالوالد أو الرجل الذي تعتقد أن له في نفسها من المكانة ما يخوله لمحاسبتهاهو المارد الجبار فتخافه ولا تحبه..وتكذب عليه ولا تصارحه خوفاً من هذاالعقاب..
ولو قلت لها((كل الآباء و الأمهات كده))..لكرهت الارتباط برجلما في المستقبل حتى لا يصبح صورة أخرى من والدها الذي يضرب أمهافيضربها..ولو قلت لها..ولو قلت لها..
كل هذه الإجابات مرت بخاطري فيثوانٍ وأنا أشعر بمدى ثقة الطفلة بإجاباتي فنحن معشر هيئة التعليم نشكلالقدوة التي قد توازي إذا لم تزد عن قدوة المنزل..قلت لها وأنا أحاول أنأكون بمستواها وأضع يدي على كتفها وأنظر بعينيها..قولي له:.((ما يصير يابابا تضرب ماما هذا غلط)).. م
أيها الآباء والأمهات:
رفقاً بفلذاتأكبادكم..كونوا لهم القدوة في السلوك الحسن ساعدوهم على تكوين شخصياتهمالسوية؛ازرعوا في أنفسهم الاحترام المتبادل بينكما..أبعدوهم عنخلافاتكما..وإذا كان لا مفر من المشاحنة و الخلاف بل و الضرب..!!فليكنبعيداً عن أعينهم وأسماعهم..ادخلوا غرفتكم الخاصة وافعلوا ما شئتم..!! م
لازال صدى سؤال هذه الطفلة باقياً في نفسي يصيبني بالغصة و الألم وتخنقنيالعبرة التي أحياناً تجد لها طريقاً لتنهمر منيٍ ترحماً على هؤلاء الأطفالالذين نكون سبباً لتعاستهم مستقبلاً بما يترسب في نفوسهم من سلوكياتناالخاطئة
ارحموا أطفالكم إن لم تكونوا تريدون رحمة أنفسكم
نقل الموضوع من احدى المجلات