ما أحوج العالم إلى محمد!
محمد العبد الكريم
يقولالمفكر الإنجليزي برنارد شو عن حبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم-: " ماأحوج العالم إلى محمد ليحل مشاكل العالم وهو يحتسي فنجان قهوة ".
إنمن أهم سمات ديننا وشرع ربنا: الاختصار والاقتضاب، وحمل المعاني في صورةكلمة محدودة أو كلمات معدودة؛ تمتد عبر الزمان والمكان: بمفهومهاوبإيمائها وبإشارتها وبمقتضاها...إلى فضاء اللا محدود من المعاني.
في قوله تعالى على سبيل المثال: (ولا تقل لهما أف)فالملفوظ كلمات معدودة، والمسكوت عنه معانٍ تتناول كل أنواع الأذى وهذا مايُسمى بالتنبيه بالأدنى على الأعلى: أي دون الحاجة لذكر النهي عن الضربوالشتم، فهي معلومة ضرورية لكل مبتدئ باللغة: إنها من باب أولى، فهواختصار لكنه يحمل من "عمومه المعنوي" ما "يستغرق" الأذى والاعتداء.
لقدكان من صفاته عليه الصلاة والسلام أنه أوتي جوامع الكلم واختصرت له الحكمةاختصاراً، بل كان ينهى عن التكلف والتقعر والتشدق في الكلام وجاء عن ابنمسعود رضي الله عنه في الحديث الذي رواه مسلم: (هلك المتنطعون قالها ثلاثاً: المبالغون الأمور).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تخلل البقرة).
وعقدالنووي -رحمه الله- في رياض الصالحين: باب كراهية التقعير في الكلاموالتشدق فيه وتكلف الفصاحة واستعمال وحشيّ اللغة ودقائق الإعراب في اللغة.إن استطلاع الشريعة يدل بكل تأكيد على منحى الاختصار في الكلام والعلاجبالإيجاز في الحديث ما أمكن، وفي وصية النبي عليه السلام لجرير بن عبدالله البجلي يتأكد هذا المعنى حين يقول له: (يا جرير: إذا قلت فأوجز، وإذا بلغت حاجتك فلا تتكلف).
فالمبالغةفي الكلام والثرثرة لا تدل في الغالب إلا على غشاوة الفكرة التي يُرادإيضاحها فلا يُستطاع إلى إيصالها إلا بكلام كثير يزيد الغبار ويحفر فيالبحر ولا يحقق للقارئ إلا نتائج رمادية أو ضبابية، هي كما يُقال: تحصيلحاصل، في حين اختزال المعاني في كلمات معدودة يدل على وضوح ماذا نريد علىوجه التحديد.
منجانب آخر فإن تحقيق نتائج ذات مستوى متقدم يتطلب عملاً جيداً خير من كلامجيد، فلو كنا نسعى إلى تحقيق مستوى متقدم من التآلف وجمع القلوب، فإن فيسيرة محمد -صلى الله عليه وسلم- كلاماً قليلاً وعملاً جباراً كثيراً تحققفي صور كثيرة، من أدلها زواجه عليه الصلاة والسلام من قبائل مختلفة استطاعمن خلاله أن يقلل الشحن النفسي ضد الدعوة، فللزواج بعد آخر لا يقف عندحدود العلاقة بين الرجل والمرأة، وهذا المعنى يجب أن يتجلّى في سيرة رموز"الصحوة " على وجه الخصوص.
فنحننجد اليوم في سيرة بعض السياسيين زواجاً لا يمكن تفسيره هكذا دون أننستبطن من ورائه مصالح " عُليا " قد تكون شخصية، لكنها في كل الأحوال تخفيورائها أبعاداً مختلفة.
وعلىكل حال يجب ألا نعتمد في فلسفة شخصياتنا على غرس الإكثار من الأحاديثوالمقالات والكتابات المطولة والخطب المطولة والحوارات... دون أن يكون لهارصيد تطبيقي واضح، ورضي الله عن ابن مسعود القائل: " كنا لا نتجاوز عشرآيات حتى نتعلم ما فيهن من العلم والعمل" . فالاتجاه إلى العمل والإنجازيجب أن يكون فورياً غير مؤجل مسبوقاً بقدر من التخطيط في زمن محدود؛ حتىولو كان العمل كمياً فإنه يحقق "الكيف" على المدى الطويل، لاسيما إذاأُتبع بالبحث والتطوير والتجديد.
كمايجب أن تتميز شخصيات الدعاة والخطباء والمحاضرين... بعمق اللفتات اللفظيةالتي توجز وتحدّ من الإسهاب. وهذا التميّز بلا شك يستدعي عملاً علمياً"وفنياً " في مؤهلات الداعية.
وللحقيقة؛ فإننا قد مَلِلنا من وقوف كثير من الدعاة في المساجد وعلى منابرالجمعة... يتحدثون أمام الناس فيسهبون في التذكير دونما احترام لأداءالرسالة، ولولا الوجوب الشرعي في الحضور والاستماع لما رأيت سامعاً أوحاضراً لأكثر الذين يخطبون وفي جعبتهم الهاجس الأمني والمصلحة الشخصيةالتي صارت فوق كل اعتبار؛ مما بدّد طاقتهم وتركيزهم في درء احتمالاتنسبتها واحد في المليون .
هؤلاءيجب يدركوا أن مساحة المتاح والممكن أوسع مما أوهمهم به الشيطان، ولوأتعبوا أنفسهم قليلاً في تطوير أدائهم الفني لرسالة الجمعة، وأتبعوا ذلكتوسعاً في المعلومات لأمكن من خلالهم تحقيق إنجازات في مجالات مهمةوحساسة، لكن الحق أن أكثرهم ربما يلحظون الجانب الشخصي لهم ويلبسونه ثوبالمصلحة الشرعية، وهكذا تدور الأيام ويحسبون أنهم مهتدون!