السؤال :
سؤالي هو : إذا لمس الرجل المرأة فهل معنى ذلك أنه ينقض وضوءه ويتطلب أنه يقوم فيتوضأ لكي يُصَلّي أم ماذا ؟
و جزاكم الله خيرا
الجواب :
وجزاك الله خيراً .
هذه المسألة اخْتَلَف فيها السَّلف اختلافا كبيرا
فالمذاهب فيها ثلاثة :
المذهب الأول : أن مُجرّد مسّ المرأة ناقض للوضوء ، وهذا القول مَحجُوجبما ثبت في الصحيحين من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : كُنْتُأَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم - وَرِجْلايَفِي قِبْلَتِهِ - فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي , فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ ،وإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا ، وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَامَصَابِيحُ .
المذهب الثاني : أن المسّ بِشَهوة ناقض للوضوء ، وهذا القول مَحجُوج بماثبت عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَـبَّـلَبعض نسائه ثم خَرج إلى الصلاة ولم يتوضأ . رواه الإمام أحمد والترمذي وابنماجه .
وأصحاب هذا القول ضعّفوا هذا الحديث .
وقد أطال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تخريج هذا لحديث في تحقيقهوشَرْحِه لِجامِع الترمذي ، وقد صَحّح الحديث ، وقال عَقب تخريجه : وهذاهو التحقيق الصحيح في تَعليل الأحاديث مِن غير عَصبيّة لِمَذْهَب ، ولاتَقليد لأحَد . اهـ .
المذهب الثالث : أن الذي ينقض الوضوء هو الْجِماع ، وهو المقصود بالملامَسَة في الآية .
وبهذا قال عُمر وقال ابن مسعود ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهم .
وهو قول مسروق بن الأجدع والحسن البصري وعطاء بن أبي رباح وطاوس اليماني .
روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن عبيد بن عمير وسعيد بن جبير وعطاء بنأبي رباح اخْتَلَفُوا في الْمُلامَسَة ، فقال سعيد وعطاء : هو اللمسوالغمز ، وقال عبيد بن عمير : هو الـنِّكَاح ، فَخَرَجَ عليهم عبد الله بنعباس - وهم كذلك - فسألوه ، وأخبروه بما قالوا ، فقال: أخطأ الْمَولَيانوأصاب العربي ، هو الجماع ، ولكن الله يُعِفّ ويَكْني .
وقال ابن عباس : ما أبالي أقَـبّلْتُ امْرَأتي أو شَمَمْتُ رَيحانا
وبهذا قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري وسائر الكوفيين إلا ابن حَيّ
ورووا عن علي بن أبي طالب مثل ذلك . أفاده ابن عبد البر في الاستذكار .
وهذا القول هو الراجح – إن شاء الله – لما جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه يُقبِّل ثم يُصلي ولا يتوضأ .
وهذا الذي رجّحه ابن جرير في تفسير قوله تعالى : (أَوْ لامَسْتُمُالنِّسَاءَ) ، حيث قال : وأوْلى القولين في ذلك بالصواب ، قَول مَن قال :عَنى الله بقوله : (أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ) : الْجِمَاع دون غيره مِنمَعاني اللمْس ، لِصِحَّةِ الْخَبَر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهقَـبَّل بَعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ .
قال الشيخ أحمد شاكر : وأما أصل الباب ومَرْجِع الخلاف فهو : هل يَجب الوضوء مِن مَسّ المرأة ؟
ذَهَب بعض الصحابة والتابعين ومن تبِعهم من الفقهاء والْمُحدِّثين إلىالوجوب ، وذَهَب بعض الصحابة ومن بعدهم إلى عدم الوجوب ، وهو الصحيحالراجِـح .
وإيجاب الوضوء على مَن مسّ امرأته بشهوة أو قَـبَّلَها يَحتاج إلى دليل ،ولا دليل عليه إلا ما جاء في الآية ، والآية فسّرها تُرجمان القرآن – ابنعباس – بـ " الْجِمَاع " .
فتحصّل من هذا أن مَسّ المرأة لا يَنقُض الوضوء .
وكذلك تَقبيل الرَّجُل امْرأته ، والمرأة زوجها ؛ كل ذلك لا ينقض الوضوء .
والله تعالى أعلم .
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مركز الدعوة والإرشاد بالرياض